13‏/09‏/2025

الهجوم الإسرائيلي على قطر

 

هل كانت ضربة الدوحة «جس نبض»؟ تداعيات الهجوم الإسرائيلي على قطر وهواجس الخليج وخيارات الرد العربي.


في 9 سبتمبر/أيلول 2025 هزّت المنطقة أنباء ضربة جوية إسرائيلية داخل الدوحة استهدفت اجتماعًا لقيادات من «حماس». سقط قتلى بينهم عنصر أمني قطري، وتعطّلت فورًا مسارات الوساطة التي قادتها الدوحة شهورًا طويلة بين إسرائيل والحركة. الأهم أنّ الصدمة تجاوزت قطر إلى عواصم الخليج، إذ بدا الحدث سابقةً تتحدى قواعد الاشتباك غير المكتوبة، وتعيد فتح سؤال ظل مؤجلًا: هل ما زالت الحماية الأمريكية فاعلة عندما تُمسّ أراضي حليف رئيسي؟ 

ما الذي حدث ولماذا هو غير مسبوق؟

تفيد تقارير وكالات وصحف كبرى بأن الهجوم نُفّذ في حي اللقطيفية بالدوحة واستهدف قيادات من «حماس»، لكنه أخفق في تصفية كبار المطلوبين وفق تقديرات أولية. ورغم اختلاف التفاصيل العملياتية بين الروايات، يتفق معظمها على أنّ الضربة قوّضت مساعي التهدئة وتبادل الأسرى، وفتحت توترًا علنيًا بين إسرائيل وعدة عواصم خليجية. 

لماذا قطر تحديدًا؟

تجمع قطر بين دور الوسيط الإقليمي واستضافة أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة (العديد)، ما جعلها لعقود توازن بين الانخراط الدبلوماسي والحماية الأمنية. الضربة كسرت هذا التوازن وأرسلت إشارة مزدوجة: ضغط مباشر على «حماس»، ورسالة ردع إلى كل دولة تستضيف قياداتها أو تسهّل قنوات تفاوض معها. ولهذا بدا القلق الخليجي مفهومًا: إذا أمكن تنفيذ ضربة دقيقة في عاصمة حليفة لواشنطن، فماذا عن بقية العواصم؟ 

هل كانت «جس نبض» لردود الفعل العربية؟

من منظور تقدير موقف، يمكن قراءة الضربة كاختبار ثلاثي الأبعاد:

  • جس نبض سياسي: هل تُبقي العواصم العربية الانتقاد في إطار البيانات، أم تنتقل إلى إجراءات ردعية (استدعاء سفراء، تجميد مسارات تطبيع، مذكرات قانونية دولية)؟ حتى الآن، مالت المواقف إلى تضامن دبلوماسي قوي مع الدوحة، وحديث عن «استجابة جماعية» قيد التشاور. 
  • جس نبض أمني: إلى أي حد ستُعدّل دول الخليج قواعد الدفاع الجوي والإنذار المبكر وحماية الشخصيات والوفود؟ وما إذا كانت ستُجري مراجعة لاتفاقات التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة لتشمل تعهدات أوضح في حال عمليات لطرف ثالث داخل أراضيها. 
  • جس نبض تفاوضي: هل ستتراجع الدوحة وسواها عن أدوار الوساطة أم ستسعى إلى تدويل مساراتها وضمانات أممية؟ هنا تتوقع تحليلات مراكز أبحاث تآكل الرهان على «الحماية الأمريكية» لصالح تنويع المظلات وبناء استقلالية أكبر في القرار الأمني. 

هواجس الخليج بعد الدوحة

الهجوم حرّك ذاكرة استراتيجية في الخليج: أي خلل في قواعد الردع يمكن أن يطلق «سلوك تقليد» dangerous precedent — سواء من إسرائيل أو أطراف أخرى — لاستهداف خصوم على أراضي حلفاء. لذلك تُناقش العواصم مجموعة مسارات:

  • تعزيز الدفاع الجوي والتنسيق البيني (مراكز قيادة وتحكّم وربط أنظمة الرادار والباتريوت/ثاد).
  • أمن الدبلوماسية: رفع حماية مقارّ الوساطة والوفود الضيفة، ووضع «خطوط حمراء» معلنة.
  • رسائل قانونية: تحريك ملفات أمام محاكم ومنظمات دولية للطعن في شرعية العملية وتبعاتها.
  • اقتصاد السياسة: إعادة تقييم مسارات التطبيع أو الشراكات الحساسة ذات الانعكاس السياسي المباشر. 

أين الولايات المتحدة من كل ذلك؟

المعادلة شديدة الحساسية. تقارير إعلامية رصدت استياءً قطريًا من فشل المنع أو الإخطار المسبق، مع مساعٍ لامتصاص الصدمة عبر لقاءات قطرية–أمريكية رفيعة في نيويورك وواشنطن. لكن الرسالة التي تتكرّس خليجيًا هي: لا ضمان مطلقًا حتى مع أوثق التحالفات، وأن هامش الحركة الإسرائيلية قد يتجاوز حسابات الحلفاء. تصريحات إسرائيلية لاحقة لم تُبدِّد المخاوف، إذ حمل بعضها تلويحًا بإمكانية التكرار.

مصر: مواجهة منفردة أم اصطفاف عربي؟

سؤال المستخدم يذهب إلى صميم «هندسة التوازن العربي». تاريخيًا، تميل القاهرة إلى مقاربة مركّبة:

  • أمن قومي مباشر في سيناء وحدود غزة وقناة السويس.

  • دور وساطة إقليمي يمنحها وزنًا دوليًا.

  • حسابات اقتصادية–مالية مع شركاء خليجيين وغربيين.

في سيناريو توترٍ حادّ، من غير المرجح أن تخوض مصر مواجهة منفردة خارج أطر عربية/دولية، خصوصًا إذا كان مسرح الأحداث خارج حدودها. المرجّح هو تصعيد سياسي وقانوني، تدعيم «قنوات الوساطة»، والتنسيق الوثيق مع الرياض وأبوظبي والدوحة وعمّان، وصولًا إلى قرارات عربية جماعية (جامعة الدول العربية/منظمة التعاون الإسلامي) تُرسل رسالة وحدة دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة. بهذا المعنى، الإيقاع المصري–الخليجي المشترك هو الأكثر ترجيحًا لإنتاج ردّ جماعي محسوب يوازن بين الرسالة والردع وتجنّب الاستدراج. (تحليل)

هل تتبلور «كتلة عربية موحّدة» ضد الغرب؟

من المهم فك الاشتباك بين الاعتراض على سياسات وبين مفهوم «الغرب» كتجريد شامل. دول عربية كثيرة ترتبط بعلاقات اقتصادية وأمنية عميقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولن يكون منطقيًا — أو عمليًا — تحويل الأزمة إلى قِطيعة شاملة. الأقرب للواقع هو توسيع هامش الاستقلالية:

  • وحدة موقف عربي في القضايا السيادية والأمنية (رفض انتهاك أراضي الدول، حماية وساطاتها).
  • أدوات ضغط سلمية: دبلوماسية نشطة، روافع قانونية، وربما إعادة معايرة لمسارات تعاون محددة.
  • تنويع الشركاء لتقليل الاعتماد الأحادي على واشنطن، دون قطع العلاقات. 

كيف تبدو الرسالة «الذكية» للغرب؟

رسالة فعالة ليست في التصعيد اللفظي بل في بناء حقائق مؤسساتية:

  1. بروتوكول عربي لأمن الوساطة: معايير حماية المفاوضين والوسطاء على الأراضي العربية، وإبلاغ أممي لأي خرق.
  2. مذكّرة قانونية عربية مشتركة تُعرّف استهداف الأراضي الحليفة باعتباره سابقة خطيرة تُعرّض الاستقرار للطعن.
  3. تنسيق دفاعي تقني (رادارات مبكرة، شبكات إنذار، مكافحة المسيّرات)، لأن كلفة منع الضربة أقل بكثير من كلفة احتوائها.
  4. قناة اتصال دائمة مع واشنطن وبروكسل لتوضيح الخطوط الحمراء واستحقاقات اختراقها. (تحليل)

روسيا والصين: حياد محسوب أم فرصة جديدة؟

حتى الآن، تميل موسكو وبكين إلى لغة الحياد الحذر: دعوات لخفض التصعيد، تأكيد على سيادة الدول، وتركيز على المسار الدبلوماسي. لكن الحياد لا يعني السلبية؛ فكلما تعمّق شكّ الخليج في المظلّة الأمريكية، زادت فرص العقود الدفاعية والتكنولوجية والشراكات مع قوى بديلة — وإنْ ضمن حدود لا تطيح بعلاقات الخليج الغربية. هذه «مسافة محسوبة» لا تبدّل الاصطفاف جذريًا لكنها تزيد قدرة المناورة لدى العواصم العربية. (تحليل مستند إلى اتجاهات مراكز أبحاث).

إلى أين تتجه الأمور؟

الضربة اختبار قاسٍ للنظام الأمني في الخليج ولمنطق الوساطات العربية. وإذا كان المقصود «جس نبض»، فالانطباع الأوّلي أنّ نبض الخليج حيّ: تضامن سياسي سريع مع قطر، حديث عن استجابة جماعية، وأسئلة صعبة تُطرح على طاولة واشنطن وتل أبيب. لكن النجاح الحقيقي لأي ردّ عربي لن يُقاس بعلوّ النبرة، بل بفعالية آليات المنع والحماية والمسارات القانونية والدبلوماسية التي تُراكم كلفة أي خرق مستقبلي. وفي الخلفية، ستواصل مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن هندسة توازن «الرسالة بلا انفجار»؛ رسالة مفادها أنّ السيادة العربية ليست فرادى، وأن حماية منصّات الحل ليست ترفًا بل شرطًا للأمن الإقليمي.


مصادر مختارة للمتابعة

  • رويترز: تصريحات إسرائيلية بعد ضربة الدوحة وتداعياتها على الهدنة. Reuters
  • واشنطن بوست: تساؤلات خليجية حول جدوى الحماية الأمريكية بعد الهجوم. The Washington Post
  • الغارديان: أثر الهجوم على الوساطة وثقة الخليج. The Guardian+1
  • الجزيرة: دعوة قطر إلى «استجابة جماعية» ومتابعة الاتصالات مع واشنطن. Al Jazeera+1
  • فايننشال تايمز/تايمز أوف إسرائيل: السياق الإقليمي وردود العواصم. Financial Times+1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Dear.

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.